الجمعة، 23 يوليو 2010

كي لا تحتاج امرأة سواي ::: احلام مستغانمي


في سالف الأزمان
عشت عدة أعمار
من أجل عمر واحد
أنفقه في ليلة واحده
يوم ألقاك

***

كنت هناك
في ما أعطيتُه لسواك
في ما احتفظت به
الى يوم تأتي
في ما قلته لغيرك
وكنت أعنيك
في ما لم أقله لأحد
لأنك صمتي

***

في غيرتي عليك
من قبل أن تجيء
في حسد من عرفتهن قبلي
لأنك ما أخلصت
سوى لانتظاري

***

في قراري
أن أتقمّص كل النساء
كي تحبّني في كل أنثى
ولا تعرف لي أسماً

***

في اسمي المحكوم بالحلم المؤبد
كما أراده أبي
في مفردي وجمعي
في قدر تبددي
أثناء بحثي....
عن آباء لكتبي
***

في وشاية ما كتبت
في تهمة أحذيتي
في شبهة خطاي
بحثاً عن عنوانك
في قلبك
الذي بلغته مصادفه
وأقمت فيه تحت أسماء مستعارة
منتحلة كلّ يوم صفه
كي لا تحتاج امرأة
سواي

أغار ::: أحلام مستغانمي




قال

أغارُ
مِن العيد لأنّكِ تنتظرينه
مِن ثياب أفراحك
مِن اشتهائك لها
مِن اقتنائك ما سيراك فيه
غيري
مِنْ غيري
لأنّه لا يدري كم أغار
مِن غريب يراكِ

***

أغارُ
مِن بهجة في نهاية السنة
تُزيّنُ بابكِ
مِن بابكِ
لأنّه يحرسُ سرّكِ
مِن مفاتيح بيتك
لأنّي قفلك ومفتاحك

***

أغارُ
مِن الشجرة المقابلة لبيتك
لا أحد يسألها
مَن منحها حق العيش
بمحاذاتك
من جرس بابك
لأنّه يُنبُّهكِ أنّ أحدهم جاء
ولأنّ الذي يأتي
لن يكون يوماً أنا

***

قالت:ـ
أغار
مِن حبل غسيلٍ ينفردُ بثوبك
من الشمس التي تتلصص عليه
فتكشف سرّك
مِن ملاقط الغسيل
التي تطبق عليه ذراعيها
مِن الريح التي تهزُّه
فينتفضُ قلبي في بلاد أُخرى
خوفاً عليك

***
في نومي
أغارُ مِن نومك
أستيقظ لأتفقّد أحلامك
أُحدّق طويلاً فيك
كلّما خلدت للنوم
باشر قلبي نوبة حراستك
خشية أن تُغري الموتَ وسامتُك
فيطيلَ نومك

ذلك الصمت الآثم للرجال ::: احلام مستغانمي









إن كان سلاح المرأة دموعها. أو هكذا يقول الرجال الذين ما استطاعوا الدفاع عن أنفسهم بمجاراتها في البكاء. فقد عثر الرجل على سلاح ليس ضمن ترسانة المرأة. و لا تعرف كيف تواجهه لأنّها ليست مهيّأة له في تكوينها النفسي. لذا عندما يشهره الرجل في وجهها يتلخبط جهاز الالتقاط لديها و يتعطّل رادارها. إنّها تصاب بعمى الأنوثة أمام الضوء الساطع لرجل اختار أن يقف في عتمة الصمت.
لا امرأة تستطيع تفسير صمت رجل. و لا الجزم بأنّها تعرف تماماً محتوى الرسالة التي أراد إيصالها إليها. خاصة إن كانت تحبّه. فالحبّ عمًى آخر في حدّ ذاته. ( أمّا عندما تكفّ عن حبّه فلا صمته و لا كلامه يعنيانها و هنا قد يخطئ الرجل في مواصلة إشهار سلاحه خارج ساحة المعركة على امرأة هو نفسه ما عاد موجودًا في مجال رؤيتها ! ) كما أنّ بعض من يعاني من ازدواجيّة المشاعر يغدو الصمت عنده سوطًا يريد به جلدك فيجلد به نفسه.
تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلاح تضليلي. إنه حالة التباس كتلك البدلة المرقطة التي يرتديها الجنود كي يتسنّى لهم التلاشي في أيّة ساحة للقتال. إنّهم يأخذون لون أيّ فضاء يتحرّكون فيه.
إنّه صمت الحرباء.. لو كان للحرباء صوت. تقف أمامه المرأة حائرة. تتناوب على ذهنها احتمالات تفسيره بحكم خدعة الصمت المتدرّج في ألوانه من إحساس إلى نقيضه.
صمت العشق.. صمت التحدي.. صمت الألم.. صمت الكرامة.. صمت الإهانة.. صمت اللامبالاة.. صمت التشفي.. صمت من شفي.. صمت الداء العشقي.. صمت من يريد أن يبقيك مريضًا به.. صمت من يثق أنّه وحده يملك دواءك.. صمت من يراهن على أنّك أوّل من سيكسر الصمت.. صمت من يريد كسرك.. صمت عاشقين أحبّا بعضهما حدّ الانكسار.. صمت الانتقام.. صمت المكر.. صمت الكيد.. صمت الهجر.. صمت الخذلان.. صمت النسيان.. صمت الحزن الأكبر من كلّ الأحزان.. صمت التعالي.. صمت من خانك.. صمت من يعتقد أنّك خنته و يريد قتلك بصمته.. صمت من يعتقد أنّك ستتخلّين عنه يومًا فيتركك لعراء الصمت.. الصمت الوقائي.. الصمت الجنائي.. الصمت العاصف.. و الصمت السابق للعاصفة.. صمت الانصهار و صمت الإعصار.. الصمت كموت سريري الحبّ.. و الصمت كسرير آخر للحبّ ينصهر فيه عاشقان حتى الموت.. الصمت الذي ليس بعده شيء.. و الصمت الذي ينقذ ذلك "الشيء" و منه تولد الأشياء مجدّدًا جميلة و نقيّة و أبديّة بعد أن طهّرها الصمت من شوائب الحبّ.
الصمت اختبار، طوبى لمن نجح فيه مهما طال. إنّه يفوز إذن بالتاج الأبدي للحبّ.. أو بإكليل الحريّة.

نصيحة:

تعلّمي أن تميّزي بين صمت الكبار و الصمت الكبير. فصمت الكبار يقاس بوقعه، و الصمت الكبير بمدّته.
الكبار يقولون في صمتهم بين جملتين أو في صمتهم أثناء عشاء حميم ما لا يقوله غيرهم خلال أشهر من الصمت. ذلك أنّ الصمت يحتاج في لحظة ما أن يكسره الكلام ليكون صمتًا.
أمّا الصمت المفتوح على مزيد من الصمت، فهو يشي بضعف أو خلل عاطفيّ ما يخفيه صاحبه خلف قناع الصمت خوفًا من المواجهة. وحده الذي يتقن متى يجب كسر الصمت. و ينتقي كجوهرجي كلماته بين صمتين يليق به صمت الكبار.
تعلّمي الإصغاء إلى صمت من تحبّين، لا إلى كلامه فقط. فوحده الصمت يكشف معدن الرجال.
***


هل تسمعين أشواقي
عندما أكون صامتا؟
إنّ الصمت، يا سيّدتي،
هو أقوى أسلحتي
هل شعرت بروعة الأشياء التي
أقولها
عندما لا أقول شيئًا
نزار قباني


الجمعة، 9 يوليو 2010

شعر و قصائد نزار قباني ::: بلقيسُ-4



يا بلقيسُ ..
يا أَحْلَى وَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..
ما زلتُ أدفعُ من دمي ..
أعلى جَزَاءْ ..
كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ
شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..
مثلَ أوراق الشتاءْ
هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟
وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ
في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟
أم أنّني وحدي الذي
عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟
سَأقُولُ في التحقيق :
كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ
كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..
يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..
ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..
ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..
كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..
كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..
ويأكُلُونَ ..
ويَسْكَرُونَ ..
على حسابِ أبي لَهَبْ ..
لا قَمْحَةٌ في الأرض ..
تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ
لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا
إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..
فِراشَ أبي لَهَبْ !!...
لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..
دونَ رأي أبي لَهَبْ ..
لا رأسَ يُقْطَعُ
دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..
سَأقُولُ في التحقيق :
كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ
وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا
وخاتَمَ عُرْسِهَا ..
وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي
يجري كأنهارِ الذَّهَبْ ..
سَأَقُولُ في التحقيق :
كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ
وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..
سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..
وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..
فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ ...
هو النَّصْرُ الوحيدُ
بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...
بلقيسُ ..
يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..
الأنبياءُ الكاذبُونَ ..
يُقَرْفِصُونَ ..
ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ
ولا رِسَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من فلسطينَ الحزينةِ ..
نَجْمَةً ..
أو بُرْتُقَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من شواطئ غَزَّةٍ
حَجَرَاً صغيراً
أو محَاَرَةْ ..
لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..
زيتونةً ..
أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً
ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ
لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..
يا مَعْبُودَتي حتى الثُّمَالَةْ ..
لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً
ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..
في هذا الزَمَانِ ؟
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟
في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..
المَجُوسيِّ ..
الجَبَان
والعالمُ العربيُّ
مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..
ومَقْطُوعُ اللسانِ ..
نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها
فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟
أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدي ..
أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..
أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..
والطُّفُولَةَ .. والأماني
بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..
عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى
لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ
قد قَتَلُوا حِصَاني
بلقيسُ :
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..
إنّي لأعرفُ جَيّداً ..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!
نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة
***

بلقيسُ-3

نزار قباني ::: بلقيسُ


بلقيسُ ..

يا بلقيسُ ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..
بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟
بلقيسُ ..
كيفَ تركتِنا في الريح ..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)
بلقيسُ ..
يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..
ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..
وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..
يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..
مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟
بلقيسُ ..
أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..
والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..
ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ ..
بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..
فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ ..
بلقيسُ ..
تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..
وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..
فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ
ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ
حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..
تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ
ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..
على الستائرِ ..
والمقاعدِ ..
والأوَاني ..
ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..
من الخواتم تطْلَعِينَ ..
من القصيدة تطْلَعِينَ ..
من الشُّمُوعِ ..
من الكُؤُوسِ ..
من النبيذ الأُرْجُواني ..
بلقيسُ ..
يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ ..
في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..
وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..
فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..
هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..
هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..
وتدخُلينَ على الضيوفِ ..
كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..
بلقيسُ ..
أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟
والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..
أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي
ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..
فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..
تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..
فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..
هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟
بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..
وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..
وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...
بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ
ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ
ماذا سأكتُبُ عن رحيل مليكتي ؟
إنَ الكلامَ فضيحتي ..
ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا ..
عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..
وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..
ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..
إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ
أم قَبْرَ العُرُوبَةْ ..
بلقيسُ :
يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..
ويا زُرَافَةَ كبرياءْ
بلقيسُ :
إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..
ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..
ويبقُرُ بطْنَنَا عَرَبٌ ..
ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..
فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟
فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً
بين أعناقِ الرجالِ ..
وبين أعناقِ النساءْ ..
بلقيسُ :
إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا
كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..
وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..
لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم
إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..
وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..
ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ
نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...
البحرُ في بيروتَ ..
بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..
والشِّعْرُ .. يسألُ عن قصيدَتِهِ
التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..
ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ
الحُزْنُ يا بلقيسُ ..
يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..
الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ
أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..
وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..
لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..
السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي
وخاصِرَةِ العبارَةْ ..
كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..
بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..
فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟
أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..
أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..
بلقيسُ :
يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارِةْ ..
سَأَقُولُ في التحقيقِ ..
إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..
والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..
وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..
ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..
وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..
وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..
وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ
وأنْ لا فَرْقَ ..
ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!
سَأَقُولُ في التحقيق :
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ
وأقُولُ :
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..
حتّى العيونُ الخُضْرُ ..
يأكُلُهَا العَرَبْ
حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ
والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..
حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..
ولا أدري السَّبَبْ ..
حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..
و لا أدري السَّبَبْ ..
حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ
حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..
وجميعُ أشياء الجمالِ ..
جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..
لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ
يا بلقيسُ ،
لُؤْلُؤَةً كريمَةْ
فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ
أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟
بلقيسُ ..
يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني
من كُلِّ تاريخي خَجُولْ
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ
..

بلقيسُ-2

نزار قباني ::: بلقيسُ


بلقيسُ ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى
ويا دَمْعَاً تناثرَ فوقَ خَدِّ المجدليَّةْ
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ .. من ضفافِ الأعظميَّةْ
بيروتُ .. تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا ..
وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّةْ
والموتُ .. في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا ..
وفي مفتاح شِقَّتِنَا ..
وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا ..
وفي وَرَقِ الجرائدِ ..
والحروفِ الأبجديَّةْ ...
ها نحنُ .. يا بلقيسُ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّةْ ..
ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ ..
والتخلّفِ .. والبشاعةِ .. والوَضَاعةِ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى .. عُصُورَ البربريَّةْ ..
حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ
بينِ الشَّظيّةِ .. والشَّظيَّةْ
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا ..
صارَ القضيَّةْ ..
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ ؟
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرُّخَامْ ..
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينامْ ..
بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..
قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما .. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ
بلقيسُ ..
مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ ..
والبيتُ الصغيرُ ..
يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ
نُصْغِي إلى الأخبار .. والأخبارُ غامضةٌ
ولا تروي فُضُولْ ..
بلقيسُ ..
مذبوحونَ حتى العَظْم ..
والأولادُ لا يدرونَ ما يجري ..
ولا أدري أنا .. ماذا أقُولْ ؟
هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟
هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟
هل تأتينَ باسمةً ..
وناضرةً ..
ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟
بلقيسُ ..
إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..
ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..
وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..
بينَ المرايا والستائرْ
حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها
لم تنطفئْ ..
ودخانُهَا
ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ
بلقيسُ ..
مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
بلقيسُ ..
كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..
يا زوجتي ..
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..
بلقيسُ ..
هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..
والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..
فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟
ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..
وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟
بلقيسُ ..
إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..
وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..
وأطفأتِ القَمَرْ
..

شعر و قصائد نزار قباني ::: بلقيسُ-1




شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ ..
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟
بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراء ..
يا غجريَّتي الشقراء ..
يا أمواجَ دجلةَ . .
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.
بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سبأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ

هذه أول قصيده شارك بها تميم فى مسابقة أمير الشعراء خفقان قلب خفقان قلب خفقان قلب .......... قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ............