الجمعة، 24 يونيو 2011

خطبة " الهندي الأحمر " :::: محمود درويش



خطبة " الهندي الأحمر "  :::: محمود درويش







- ما قبل الأخيرة –
أمام الرجل الأبيض *

" هَل قُلْتُ مَوْتى
لا مَوْتَ هناك
هناك فقط تبديلُ
عوالم " ,,,

سياتل زعيم دواميش

( * ) من ديوان ...
" أحد عشر كوكباً "
1992 .

( 1) .
إِذاً , نَحْنُ مَنْ نَحْنُ في السيسيِبّي .
لَنا ما تَبَقَّى لَنا مِنَ الأَمْسِ /
 لكِنَّ لَوْنَ السَّماءِ تَغَيَّرَ , وَالبْحرَ شَرْقاً , تَغَيَّرَ , يا سَيِّدَ الْبِيضِ ! يا سَيِّدَ الخَيْلِ , ماذا تُريدُ مِنَ الذَّاهبِينَ إِلى شَجَرِ اللَّيْل ؟/
عالِيَةٌ روحُنا , وَالمْراعي مُقَدَّسَةٌ , وَالنّجومْ كَلَامٌ يُضيءُ ... إِذا أَنْتَ حَدَّقْتَ فيها      قَرَأتَ حكايتَنَا كُلَّها :
وُلِدْنا هُنا بَيْنَ ماءٍ وَنارٍ .. ونُولَدُ ثانيَةٌ في الْغُيومْ على حافُة السّاحِلِ اللأَزَوَرْدِيِّ بَعْدَ الْقيامَةِ ... عَمَّا قَليلْ فلا تَقْتُلِ الْعُشْبَ أكْثَرَ , للْعُشْبِ روحٌ يُدافِعُ فينا عَنِ الرّوحِ في الأَرْضِ/
يا سَيِّدَ الخْيَلِ ! عَلِّمْ حِصانَكَ أَنْ يَعْتَذِرْ
لِروحِ الطَّبيعَةِ عَمَّا صَنَعْتَ بِأَشْجارِنا :
آه ! يا أُخْتِيَ الشَّجرةْ
لَقَدْ عَذَّبوك كَما عَذَّبُوني
فلا تطلبي المْغَْفرَةْ
لحطَّابِ أُمي وأُمكْ .../


( 2)...
... لَنْ يَفْهَمَ السَّيِّدُ الأَبْيَضُ الْكَلماتِ الْعتيقَةْ هُنا , في النُّفوسِ الطَّليقَة بَيْنَ السَّماءِ وَبَيْنَ الشَّجَر ...
فَمِنْ حَقِّ كولومبوسَ الْحُرِّ أَنْ يَجِدَ الهِنْدَ في أَيِّ بَحْر , وَمِنْ حَقِّه أَنْ يُسَمِّي أَشْبَاحَنا فُلْفُلاً أَوْ هُنوداً , وَفي وُسْعِهِ أَنْ يُكَسِّرَ بَوْصَلَةَ الْبَحْرِ كَيْ تَسْتَقيمَ وَأَخطاءَ ريحِ الشَّمالِ , وَلكِنَّهُ لا يُصَدِّق أَنَّ البَشَر سَواسيَّةٌ كالْهَواءِ وَ كالَماءِ خارِجَ مَمْلَكَةِ الْخارِطَة ... !
َوأَنَّهُمُ يولَدون كَمَا تولَدُ الناسُ في بَرْشَلونَة, لكِنَّهمْ يَعْبُدون إِلَهَ الطَّبيعَةِ في كُلِّ شَيْءٍ ... وَلا يَعْبُدونَ الذَّهَبْ ...
وَكولومبوسُ الْحُرُّ يَبْحَثُ عَنْ لُغَةٍ لَمْ
 يَجِدْها هُنا , وعَنْ ذَهَبٍ في جَماجِمِ أجْدادِنا الطَّيِّبينَ وكان لَهُ مَا يُرِيدُ مِنَ الْحَيِّ وَالمَيْتِ فيِنا .
إذاً لماذا يُواصلُ حَرْبَ الإبادَةِ مِنْ قَبْرِهِ , للنِّهايَة ؟
وَلَمْ يَبْقَ مِنَّا سِوى زِينَة للْخَرابِ , وَريشٍ خَفيفٍ على ثِيابِ الْبُحَيراتِ .
سَبْعونَ مِلْيونَ قَلْبٍ فَقَأْتَ ...سَيَكْفي وَيَكْفي , لِتَرجِعَ مِنْ مَوْتِنا مَلِكاً فَوْق عَرْشِ الْزمانِ الْجَديد ...أما أنَ أَنْ نَلْتَقِيَ , يا غَريبُ , غَريبَيْن في زَمَنٍ واحِدٍ ؟
 
وَفي بَلَدٍ واحِدٍ , مَثْلَما يَلُتَقي الْغُرَباءُ على هاوِية ؟
لَنا ما لَنا ... وَلَنا ما لَكُمْ مِنْ سَماء
لَكُمْ ما لَكُمْ ... وَلَكُمْ ما لَنا مِنْ هَواءٍ ومَاء..
لَنا ما لَنا مِنْ حَصىً ... وَلَكُمْ ما لَكُمْ مِنْ حَديد....
تَعالَ لِنَقْتَسِمَ الضَّوْءَ في قُوَّةِ الظِّلِّ , خُذْ ما تُريد وَ خُذْ ذَهَبَ الأَرْضِ والشَّمْس ,و اتْرُكْ لَنا أَرْضَ أَسْمائِنا وَعُدْ يا غَريبُ , إلَى الأَهْلِ ... وابْحَثْ عَنِ الْهِنْد /


( 3) ...
...أَسْماؤُنا شَجَرٌ مِنْ كَلامِ الإِلهِ, وَ طَيْرٌ تُحَلِّقُ أُعَلْى مِنْ الْبُنْدُقِيَّةِ.
لا تَقْطَعوا شَجَرَ الاسْم يا أَيُّها الْقادمون مْنَ الْبَحْرِ حَرْبَاً وَ لا تَنْفُثوا خَيْلَكُمْ لَهَباً في السُّهول لَكُمْ رَبُّكُمْ لَنَا رَبُّنا , وَلَكُمْ دينُكُمْ وَلَنَا دينُنا فلا تَدْفِنوا الله في كُتُبٍ وَعَدَتْكُمْ بأَرْضٍ على أَرْضنا كَما تدّعونَ , وَلا تَجْعَلوا رَبَّكُمْ حاجِبِاً في بلاطِ المَْلَكِ !
خُذوا وَرْدَ أَحْلاَمنا كَيْ تَرَوْا ما نَرى مِنْ فَرَحْ !
وَناموا على ظِلِّ صَفْصافِنا كَي تَطيروا يَماماً يَماماً ...
كَما طارَ أَسْلافُنا الطِّيبونَ وَعادوا سَلاماً
سَلاماً.
سَتَنْقُصُكُمْ , أَيُّها الْبِيضُ , ذِكْرِى الرَّحيل عَنِ الأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّط , وَتَنْقُصُكُمْ عُزْلَةُ الأَبَدَيَّةِ في غابَةِ لا تُطِلُّ على الهاوِيَةْ
وَتَنْقُصُكُمْ صَخْرَةٌ لا تُطيعُ تَدَفُّقَ نَهْرِ الزَّمانِ السَّريع
سَتَنْقُصُكُمْ ساعَةٌ للتأَمُّلِ في أيِّ شَيْءٍ , لتُنْضِجَ فيكُمْ سَماءً ضَروريَّةً للتُّرابِ , سَتَنْقُصُكُمْ ساعَةٌ للِتَّرَدُّد ما بَيْنَ دَرْبٍ ودَرْبٍ , سَيَنْقُصُكُمْ يورربيدوسُ يَوْماً , وَأَشْعارُ كَنْعَانَ والبْابلييِّنَّ , تَنقُصُكُمْ...
أَغني سُلَيْمانَ عَنْ شولَميتَ , سَيَنْقُصُكُم سَوْسَنٌ لِلْحَنين ..


سَتَنْقُصُكُمْ أَيُّها البِّيِضُ ذكرى تُروِّضُ خَيْلَ الجْنُون وَقَلْبٌ يَحُكُّ الصُّخُورَ لتَصْقُلَهُ في نِداءِ الكَمَنْجاتِ ... , يَنقُصُكُمْ , و تَنْقُصُكُمْ حَيْرَةٌ لِلْمُسَدْسِ : إِنْ كانَ لا بُدَّ مِنْ قَتْلِنَا فَلاَ تَقْتُلوا الْكائِناتِ التَّي صادَقَتْنا,
وَ لا تَقْتُلوا أَمْسنَا ...
 سَتَنْقُصُكُمْ هُدْنَةٌ مَعَ أَشْباحنا في لَيالي الشِّتاءِ الْعقيمة وَشَمْسٌ أَقلُّ اشتعالاً , وَ بَدْرٌ أَقلُّ اكتِمالاً , لِتَبْدُوَ الْجَريَمة أَقلُّ احْتِفالاً على شاشَةِ السِّينما , فَخُذوا وَقْتَكُمْ ...

( 4)
... نَعْرِفُ ماذا يُخَبَّي هذا الْغُموضُ الْبَليغُ لنا .. سَماءٌ تَدَلَّتْ على ملْحنا تُسْلْمُ الرُّوحَ .
صَفْصافَةٌ تَسيرُ على قَدَمٍ الرِّيحِ , وَحْشٌ يُؤَسِّسُ مَملكةً في

 ثُقوبِ الْفَضاءِ الجَريحِ
... وَبَحْرٌ يُمَلِّحُ أَخْشابَ أَبْوابِنا , وَلَم تَكُنْ الأَرْضُ أَثْقَلَ قَبْلَ الخليقةِ , لكنْ شيئاً كهذا عَرَفْناهُ قَبْلَ الزَّمانِ ... سَتَروي الرِّياحُ لنا

 بِدَيَتَنا والنِّهايَةَ , لكٍِنَّنا نَنْزِفُ اليَوْمَ حاضِرَنا وَنَدْفِنُ أَيَّامَنا في رَمَادِ الأَساطيرِ , لَيْسَتْ أَثينا لنا

 وَنَعْرِفُ أَيَّامُكُمْ مِنَ دُخانِ الْمَكانِ , وَ لَيْسَتْ أَثينا لَكُمْ , وَنَعْرِفُ ما هَيَّأَ الْمَعدِنُ – السَّيِّدُ الْيَوْمَ مِنْ أَجْلِنا

 وَمِنْ أَجْلِ آلهَةً تُدَافعْ عَنْ المْلحِ في خُبْزِنا ...
-
مِن الصَّخَبِ الْمَعدِنّي ؟
" نُبَشركم بِالحضارةِ " ....
 أَنا سَيِّدُ الْوَقْتِ , جِئْتُ لِكَيْ أَرِثَ الأَرْضَ مِنْكُم .
فَمُرًُّوا أَمامي , لأُحْصِيكَّمْ جُثَّةً جُثَّةً فَوْقَ سَطْحِ الْبُحَيْرَة .

" أُُبَشِّرُكُم بِالحْضارَةِ " قالَ , لِتَحْيَا الأَناجيلُ , قالَ , فَمُرُّوا لِيَبْقى لِيَ الرَّبُّ
وَحْدي , فإِنَّ هُنوداًُ يَموتونَ خَيْر

لِسَيِّدِنا في العُلا مِنْ هُنود يَعيشونَ , وَالرَّبُّ أَبْيَض وَ أَبْيَضُ هذا النَّهارُ :
لَكُمْ عالمٌ وَلنا عالَمْ...

يَقول الغَريبُ كَلاماً غَريباً، وَيَحْفرُ في الأَرْضِ بِئْراً لِيَدْفنَ فيها السَّماءَ .
يَقول الغَريبُ كَلاماً غَريباً

وَيصْطادُ أَطُفالنا وَاْلفَراشَ بِماذا وَعَدْتَ حَديقَتَنا يا غَريب؟
بِوَرُدٍ مِن الزِّنْكِ أَجْمَلَ مِنْ وَرْدِنا؟
فَلْيكُنْ ما تَشاء وَلكِنْ أَتَعْلَمُ أَنَّ الْغَزَالةَ لا تَأْكُلُ الْعُشْبَ إِنْ مَسَّهُ دَمُنا؟

أَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَواميسَ إِخْوتُنا والنَّباتاتِ إِخْوتُنا يا غَريب؟
فلا تَحْفِرِ الأَرْضَ أَكْثَرَ ! لا تَجْرَحِ السُّلَحْفاةَ التَّي

 تَنامُ على ظَهرِها الأَرْضُ ، جَدَّتُنا الأَرْضُ أَشجارنُا شَعْرُها وَزِينتُنا زَهْرُها. "
 هذِه الأَرْضُ لا مَوْتَ فيها " فلا

تُغَيِّرْ هَشاشَةَ تَكْوينِها ! لا تُكَسِّرْ مَرايا بَساتيِنها وَلا تُجْفِلِ الأَرْضَ , لا تُوجِعِ الأَرْضَ أَنْهارُنا خَصْرُها

 وَأَحْفادُها نَحْنُ, أَنتُمْ ونحن فلا تَقْتُلوها... سنَذَهبُ ، عمَّا قليلٍ، خُذُوا دَمَنا واتركُوها
كما هي ,
أَجملَ ما كَتَبَ الله فوقَ المياه ,
لَهُ...ولنا

َسَنْسمَعُ أَصْواتَ أَسلافِنا في الرِّياحِ ، ونُصْغي إِلى نَبْضِهِمْ في بَراعِم أَشجارِنا
هذه الأَرْضُ جَدَتَّنُا

مُقَدَّسةٌ كُلُّها، حَجَراً حَجَراً، هذه الأَرْضُ كُوخٌ لآلِهَةٍ سَكَنتْ مَعَنا , نَجْمةٌ نَجمةٌ وأَضاءَت لَنا

لَيالي الصَّلاةِ ... مَشَينا حُفَاةٌ لِنَلْمُسَ رُوحَ الْحَصى وَسِرْنا عُراةً لِتُلْبِسنَا الرُّوحُ، روحُ الهواءِ ، نِسَاء

يُعدْنَ إِلينا هِباتِ الطَّبيعة _ تاريخُنا كانَ تاريخَها.


كانَ لِلْوَقْتِ وَقْتٌ لِنولَدَ فيها وَنَرْجِعَ مِنْها إِلَيْها: نُعيدُ إِلى الأَرْضِ أَرَوْاحَها

رُوَيْداً رُوَيْداً وَنَحْفَظَ ذِكْرى أَحبِتَّنا في الْجِرار مَعَ الْمِلْح والزَّيْتِ ، كُلنَّا نُعَلِّقُ أَسْماؤهُمْ بُطُيورِ الجداوِل وتبكي عليكَم...غَدا ... !


( 5 )..
وَ نَحن نُوَدِّعُ نيرانَنا , لا نَرُدُّ التَّحِيُةَ ... لا تَكْتُبوا علينا وَصايا الإِلهِ الجديدِ , إِلهِ الحديدِ , ولا تطلُبوا مُعاهَدةً للسَّلامِ مِنَ الميِّتينَ , فلَم يَبْقَ منَهُمْ أَحَدْ
يُبَشَّرُكَمْ بالسَّلامِ مَعَ النَّفْسِ والآخرين , وكُلنَّا هُنا نُعمِّرُ أَكْثَرَ , لَوْلا بَنادِقُ إنجلترا والنَّبيذُ الفرنْسي والإنفلونزا , وكُنّا نَعيشُ كما يَنْبَغي أَنْ نَعيشَ بِرُفْقَة شَعْب الغَزال
وَنَحْفَظُ تاريخَنا الشَّفَهِيَّ , وَكُنَّا نُبَشِّرُكُمْ بالبَراءَةِ والأُقْحُوان ..
لكُمْ رَبُّكم ولنا ربَّنا , وَلَكُّم أَمْسُكُمْ ولنا أَمْسُنا , والزَّمان هُوَ النَّهرُ حينَ نُحدِّقُ في النَّهرِ يَغْرَوْرَقُ الْوَقْتُ فينا ...
أَلا تَحفظون قليلاً من الشِّعرِ كي تُوقِفوا الَمْذبَحةْ ؟
أَلَمْ تولَدوا من نِساءٍ ؟
أَلَمْ تَرْضَعوا مِثْلنَا حَليبَ الحنين إِلى أُمَّهاتٍ؟
أَلَم تَرْتَدوا مِثلَنا أَجْنِحَةْ
لِتَلْتَحِقوا بِالسُّنونو. وكُنَّا نُبَشِّرُكُمْ بالرّبيعِ, فلا تَشْهَروا الأَسْلِحَةْ !
وفي وُسْعِنا أَن نَتَبَادَلَ بَعْضَ الْهَدايا وبَعْضَ الغِناء ...
هُنا كانَ شَعْبي هنا ماتَ شَعْبي هنا شَجَرُ
الكستَناء



يُخبَُئ أَرْواحَ شَعْبي , سَيَرْجِعُ شَعْبي هَواءً وَضَوْءَاً وماء ,,,
خُذوا أََرْضَ أُمِّيَ بالسَّيفِ , لكنَّني لَنْ أُوَقِّعَ باسْمي مُعاهَدَةَ الصُّلْحِ بَيْنَ الْقَتيلِ وقاتلِهِ ِ, لَنْ أُوَقِّعَ باسْمي
على بَيْعِ شِبرٍ مِنَ الشَّوْكِ حَوْلَ حُقول الذُّرة وأَعْرِفُ أَنّي أُودِّعُ آخِرَ شَمْسٍ , وأَلْتَفُّ باسمي
وأَسْقُطُ في النَّهرِ أَعْرِفُ أَعودُ إِلى قَلْبِ أُمِّي لِتَدْخُلَ , يا سَيَّدَ البِيضِ , عَصْركَ ...
فَارْفَعْ عَلى جُثَّتي
تَماثيلَ حُرّيةٍ لا تَرُدُّ التَّحِيَّةَ , واحفرْ صَليبَ الْحديد على ظِلِّيَ الْحَجَرِيِّ ,
سَأَصْعَدُ عَمَّا قليلٍ أَعالي النَّشيد , نَشيد انْتحارِ الْجمَاعاتِ حِينَ تُشيَّعُ تاريخَها للْبَعيد , وَأُطلِقُ فيها عَصافيرَ أصواتِنا :
ههُنا انْتصَرَ الْغُرَباء على الْمِلحِ , وَاخْتَلَطَ الْبَحْرُ في الْغَيْمِ , وَانْتَصَرَ الْغُرَباء على قِشْرَةِ الْقَمحِ فينا , وَمَدُّوا الأَنابيبَ لِلْبَرقِ والْكَهْرَباء ..
 هُنا انْتَحَرَ الصَّقْرُ غَمَّا , هُنا انْتَصَرَ الْغُرَباء عَلَيْنا .
ولَم يَبْقَ شيءٌ لنا في الزَّمانِ الجديد
هُنا تَتَبَخِّرُ أَجْسادُنا , غَيْمةً غَيْمةً , في الفضاء . هُنا تَتَلأْلأُ أَرْواحُنا , نَجْمةً نَجْمةً , في فضاءِ النَّشيد ...

( 6 ) ..
سَيَمضي زَمانٌ طَويلٌ لِيُصْبحَ حاضِرُنا ماضياً مثُلَنا ..
سنَمْضي إِلى حَتْفِنا , أَوَّلاً , سنُدفعُ عن شَجَرٍ نَرْتَديه ...
وَعَنْ جَرَسِ اللَّيلِ , عَنْ قَمَر , فَوْقَ أَكْواخنا نَشتْهيه
وَعَنْ طَيْشِ غزلانِنا سَنُدافعُ , عن طِينِ فَخْارِنا سَنُدافِعُ

وَعَن ريشنا في جَناحِ الأَغاني الأَخيرةِ , عمَّا قَليل تُقِمونَ عَالَمَكُمْ فَوْقَ عَالَمِنا: مِنْ مَقابِرِنا تَفْتَحونَ الطَّريق

إِلى الْقَمَرِ الاصطناعيِّ , هذا زَمانُ الصِّناعاتِ هذا زَمانُ المَعادِنِ , مِنْ قِطْعَةِ الفَحْمِ تَبْزُغُ شَمْبانيا الأقْوِياءْ.....

هُنالِكَ مَوْتى وَمُسْتوطَناتٌ , وَمَوْتى وبولدوزراتٌ , وَمَوْتى وَمُسْتَشْفَياتٌ , وَمَوْتى وَشَاشاتُ رادار تَرْصُدُ مَوتى

يَموتون أَكْثَرَ مِنْ مَرَةٍ في الْحياة , وَ تَرْصُدُ مَوتى
يَعيشونَ بَعْدَ الْمَماتِ , وَمَوْتى يُرَبُّونَ وَحْشَ الْحضاراتِ مَوْتاً ,
وَمَوْتى يَموتونَ كَيْ يَحْمِلوا الأَرْضَ فَوْقَ الرُّفات ....

إلى أَيْنَ يَا سَيِّد البِيض , تأَخُذُ شَعْبي ,..
وَشَعْبَك؟
إلى أَيِّ هَاوِيَةٍ يَأَخُذُ الأَرضَ هذا الرَوبوتُ الْمُدجَّجُ بَالطَّائِرات

وَحَامِلَهِ الطَّائراتِ إلى أَيِّ هاويةٍ رَحْبَةَ تَصْعَدون ؟
لَكُم ما تَشاءونَ : رُوما الجديدةُ , إِسْبَارْطةُ التكنولوجيا
و ... أَيديولوجيا الجنون
ونَحنُ سَنَهْرُبُ مِنْ زَمَنِ لَمْ نُهَيِّئ لَهُ , بَعْدُ هاجِسنَا
سَنَمضي إلى وَطَنِ الطَّيْرِ سِرْباً من الْبْشَرِ السَّابقين نُطِلُّ على أَرضِنا مِنْ حَصى أَرضِنا , مِنْ ثُقوبِ الْغُيوم
نُطِلُّ على أَرضِنا مِنْ كَلامِ النُّجُومِ
 نُطِلُّ على أَرضِنا مِنْ هَواءِ الْبُحَيْراتِ , مِنْ زَغَبِ الذُّرَةِ الْهَشِّ , مِن زَهْرَةَ القَبْرِ , من وَرَقِ الحُورِ , من كُلَّ شيء يُحاصِرُكم , أَيُّها البِيضُ , مَوْتى يَموتونَ, مَوْتى يَعيشون , مَوْتى يَعودونَ , مَوْتى يَبوحونَ بالسِّرِ , فَلْتُمْهِلوا الأَرْضَ حتى تَقولَ الحَقيقَة , كُلَّ الحَقيقة ,
عَنكم
وعنَّا
وعنَّا
وعنكم !

 ( 7 ) ...
هُنالِك مَوتى ينَامونَ في غُرَفٍ سَوفَ تَبْنونَها ..
هُنالِك مَوتى يَزورونَ ماضيَهُمْ في المَكانِ الَّذي تَهْدمون
هُنالِك مَوتى يَمُرُّونَ فَوقَ الجسور الَّتي سَوف تَبْنونَها
هُنالِك مَوتى يُضيؤنَ لَيْلَ الفَراشاتِ , مَوْتى يَجيئونَ فَجْراً لكي يَشْرَبُوا شايَهُمْ مَعَكُم , هادئِين
كما تَرَكَتْهُمْ بَنادِقُكُمْ , فاتركوا يا ضُيوفَ المَكان
مَقاعدَ خالِيَةٍ لِلْمُضيفينَ .. كي يَقْرؤوا
عليكُمْ شُروطَ السَّلامِ مَعَ ... الْمَيِّتين !
 







ليتَ الفتى حَجَرٌ :::: محمود درويش

ليتَ الفتى حَجَرٌ :::: محمود درويش




 
 
 
يا ليتني حَجَرُ ...
 أكُلَّما شَرَدَتْ عينانِ
  شرَّدنَي
   هذا السحابُ سحاباً
 كُلَّما خَمَشَتْ عصفورةٌ أُفقاً
فَتَّشْتُ عن وَثَنِ ؟
 أكُلَّما لَمَعَتْ جيتارَةٌ
خَضَعتْ 
روحي لمصرعها في رَغْوَةِ السُّفُنِ
أكُلَّما وَجَدَتْ أُنثى أُنوثتها
أضاءني البرقُ من خصري
 وأحرقني !
أكُلَّما ذَبُلَتْ خُبّيزَةٌ
وبكى طيرٌ على فننِ
   أصابني مَرَضٌ
   أو صِحْتُ : يا وطني !
 أكُلَّما نَوَّرَ اللوزُ اشتعلتُ بِهِ
 وكلما احترقا
كنت الدخانَ ومنديلاً
تمزقني
ريحُ الشمال , ويمحو وجهيَ المَطَرُ ؟
ليت الفتى حَجَر
 يا ليتني حَجَرُ ...






(من ديوان "حصار لمدائح البحر" 1984)

الأحد، 5 يونيو 2011

إلى حسني مبارك :::: أحمد فؤاد نجم





سيدي الرئيس

في عيد ميلادك الكام وسبعين

كل سنة وأنت طيب

واحنا مش طيبين

كل سنة وأنت حاكم

واحنا محكومين

واحنا مظلومين

واحنا متهانين

ويا ترى يا حبيب الملايين

فاكرنا ولا احنا خلاص منسيين

فاكر المعتقلين

فاكر الجعانين

فاكر المشردين

فاكر اللي ماتو محروقين

فاكر الغرقانين

الله يكون في عونك – هاتفتكر مين وللا مين

في عيد ميلادك الكام وسبعين

بقول لك كلمتين

الأوله

شيلتنا طين

وهل تعلم أن النيل بقى رشاح

والجو أصبح بيئة والعيشة ولعة

والشرفا قلوبهم عالبلد والعة

وانت عاملهم مذبحة ولا بتاعة القلعة

والاقتصاد سداح

والسرقة بقت كفاح

ومصر متاحة بس للسياح

وعرض البلد بقى مستباح

والتانية

ورتنا الويل

دا الخطوة في عهدك بقت ميل

والضحك بقى نواح وعويل

والكوسة

عارف الكوسة

ممكن أقولك فيها موواويل

والجامعة بقت يا إما كباريه أو دار مسنين

والشباب معظمهم من غير خمرة سكرانين

والعلم عز على المتعلمين

والأساتذة بقم دجالين

والقادة بقم طبالين

واديني في الهايف يا حبيب الملايين

والتالتة

عارف اليابانيين

زمان في سنة اتنين وخمسين

كان عندنا تروماي وكان عندنا علم ومتعلمين

وثقافة ومثقفين

وأدبا وعلما وفنانين

وكانو اليابانيين

بالنووي لسة مضروبين

وللصدقة مستحقين

دلوقتي إحنا فين وهما فين

هما فوق واحنا في أسفل سافلين

والرابعة

أمن البلد بقى تنين

والمحاكم اتملت مظالم

والعدالة بقت كمالة

وكلمة الحق في الزبالة

وأصحابها في الزنازين

والخامسة

القطاع العام…. عام

والفساد…. ساد

وفي جتة بلدنا بيرعى

أفتكر لجنابك إيه وللا إيه

وكل ذكرى ليك بدمعة

آآآآآآآآه آآآآآآآآه

أنا كنت حالف ميت يمين

أكملهم لك تمنية وسبعين

بس هاكفيهم ورق منين

وكل سنة وأنت

واحنا طيبين



هذه أول قصيده شارك بها تميم فى مسابقة أمير الشعراء خفقان قلب خفقان قلب خفقان قلب .......... قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ............